.شمس الدين الخويي:
هو الصدر الإمام العالم الكامل قاضي القضاة شمس الدين، حجة الإسلام، سيد العلماء والحكام، أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى من مدينة خوي كان أوحد زمانه في العلوم الحكمية، وعلامة وقته في الأمور الشرعية، عارفًا بأصول الطب وغيره من أجزاء الحكمة، عاقلاً، كثير الحياء، حسن الصورة، كريم النفس، محبًا لفعل الخير، وكان رحمه اللّه ملازمًا للصلاة والصيام وقراءة القرآن، ولما ورد إلى الشام في أيام السلطان الملك المعظم عيسى بن الملك العادل استحضره، وسمع كلامه فوجده أفضل أهل زمانه في سائر العلوم، وكان الملك المعظم عالمًا بالأمور الشرعية والفقه فحسن موقعه عنده، وأكرمه وأطلق له جامكية وجراية، وبقي معه في الصحبة، ثم جعله مقيمًا بدمشق، وله منه الذي له، وقرأ عليه جماعة من المشتغلين وانتفعوا به، وكنت أتردد إليه، وقرأت عليه التبصرة لابن سهلان، وكان حسن العبارة قوي البراعة، فصيح اللسان بليغ البيان، وافرالمروة كثير الفتوة، وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري لحقه وقرأ عليه، ثم ولاه الملك المعظم القضاء وجعله قاضي القضاة بدمشق، وكان مع ذلك كثير التواضع لطيف الكلام، يمضي إلى الجامع ماشيًا للصلوات في أوقاتها، وله تصانيف لا مزيد عليها في الجودة، وكان ساكنًا في المدرسة العادلية ويلقي بها الدرس للفقهاء، ولم يزل على هذه الحال إلى أن توفي رحمه اللّه، وهو في سن الشباب، وكانت وفاته بحمى الدق بدمشق، وذلك في شهر شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة.ولشمس الدين الخويي من الكتب تتمة تفسير القرآن لابن خطيب الري، كتاب في النحو، كتاب في علم الأصول، كتاب يشتمل على رموز حكمية على ألقاب السلطان الملك المعظم، صنفه للملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب.
.رفيع الدين الجيلي:
هو القاضي الأجل، الإمام العالم، رفيع الدين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسمعيل بن عبد الهادي الجيلي، من أهل فيلمان شهر من الجيلان، وكان من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية، وأصول الدين والفقه والعلم الطبيعي والطب، وكان مقيمًا بدمشق، وهو فقيه في المدرسة العذراوية داخل باب النصر، وله مجلس للمشتغلين عليه في أنواع العلوم والطب، وقرأت عليه شيئًا من العلوم الحكمية، وكان فصيح اللسان قوي الذكاء، كثير الاشتغال والمطالعة، واستخدم قاضيًا في مدينة بعلبك، وبقي بها مديدة، وكان صديقًا للصاحب أمين الدولة، وبينهما عشرة، ولما تملك السلطان الملك الصالح عماد الدين إسمعيل دمشق، وتوفي قاضي القضاة شمس الدين الخويي رحمه اللّه فأشار الصاحب أمين الدولة أن يجعل موضعه، فولاه السلطان، وصار قاضي القضاة بدمشق، وارتفعت منزلته وأثرى، وبقي كذلك مدة، وكان كثير من الناس يتظلمون منه، ويشكون سيرته، وبالجملة فإن الحال تأدى به إلى أن قبض عليه، وقتل رحمه اللّه في أيام الملك الصالح إسمعيل، وكان قد وقع بين القاضي رفيع الدين وبين الوزير أمين الدولة فبعثوه تحت الحوطة مع رجال عوامله إلى قريب بعلبك في موضع فيه هوة عظيمة لا يعرف لها قعر، يقال لها مغارة افقه، وكانوا أمروهم بما يفعلونه به فكتفوه، ثم دفعوه في وسطها، وحدثنا بعض الذين كانوا معه أنه لما دفع في تلك الهوة تحطم في نزوله، وكأنه تعلق في بعض جوانبها أسفل بثيابه، قال فبقينا نسمع أنينه نحو ثلاثة أيام، وكلما مر يضعف ويخفى حتى تحققنا موته ورجعنا عنه.أقول ومن عجيب ما يحكى أن القاضي رفيع الدين وقف على نسخة من هذا الكتاب بحضوري، وما كنت ذكرته في تلك النسخة فطالع فيه، ولما وقف على أخبار شهاب الدين السهروردي تأثر من ذلك وقال لي ذكرت هذا وغيره أفضل منه ما ذكرته، وأشار إلى نفسه، ثم قال وأيش كان من حال شهاب الدين إلا أنه قتل في آخر أمره، وقدر اللّه عز وجل أن رفيع الدين قتل أيضًا مثله، فسبحان اللّه العظيم المدبر في خلقه بما يشاء، وكانت وفاة القاضي رفيع الدين في شهر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وستمائة، ولماكان رفيع الدين قد تولى القضاء بدمشق، وصار قاضي القضاة، وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة، عملت فيه هذه القصيدة وأهنئه فيها:
مجد وسعد دائم وعلاء ** أبد الزمان ورفعة وسناءببقاء مولانا رفيع الدين ذي ** الجود العميم ومن له النعماءقاضي القضاة أجل مولى لم ** يزل بعلاه يسمو العلم والعلماءمتفرد بالمكرمات وإنما ** كل الورى في بعضها شركاءلو رام كل بليغ قول أنه ** يحصي علاه لقصر البلغاءكم من عداة شاهدين بفضله ** والفضل ما شهدت به الأعداءوله التصانيف التي قد أعربت ** عن كل ما قد أعجم القدماءوبه لجيل في البلاد مفاخر ** وكذا لهذا الجيل منه علاءيا سيدًا فاق الأنام حقيقة ** بجميل وصف ليس فيه خفاءقد كان عندي من فراقك والنوى ** ألم ومن رؤياك جاء شفاءوأتى إلى قلبي السرور وأشرقت ** شمس الحبور وزالت البرحاءوبدت تباشير الهناء بمنصب ** يعلوه من نور الإله بهاءإحكام أحكام وعدل شائع ** ملئت به وبفضلك الغبراءوتفرقت في الناس منك فواضل ** وتجمعت منهم لك الأهواءفلك السيادة والسعادة والعلا ** والفضل والأفضال والآلاءوالمشتري للحمد أنت وإن تقل ** فصل الخطاب فإنك الجوزاءولئن خصصتك بالهناء فإنه ** عم الأنام بما وليت هناءللّه كم أوليتني مننًا على ** مر الزمان وما لها إحصاءفاسلم ودم في رغد عيش دائم ** ما غردت في أيكها الورقاءولرفيع الدين الجيلي من الكتب شرح الإشارات والتنبيهات، ألفه المظفر تقي الدين عمر بن الملك الأمجد بهرام شاه بن فرخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب، اختصار الكليات من كتاب القانون لابن سينا، كتاب جمع ما في الأسانيد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
.شمس الدين الخسروشاهي:
هو السيد الصدر الكبير، العلم شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي، وخسروشاه ضيعة قريبة من تبريز، إمام العلماء، سيد الحكماء، قدوة الأنام شرف الإسلام، قد تميز في العلوم الحكمية، وحرر الأصول الطبية، وأتقن العلوم الشرعية ولم يزل دائم الاشتغال، جامعًا للفضل والأفضال، وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري وهو من أجل تلامذته، ومن حيث وصل إلى الشام اتصل بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم، وأقام عنده بالكرك، وهو عظيم المنزلة عنده وله منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير، ثم توجه شمس الدين بعد ذلك إلى دمشق وأقام بها إلى أن توفي رحمه اللّه، وكانت وفاته في شهر شوال سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ودفن بجبل قاسيون، ولما وصل إلى دمشق اجتمعت به فوجدته شيخًا حسن السمت، مليح الكلام قوي الذكاء، محصلًا للعلوم، ورأيته يومًا وقد أتى إليه بعض فقهاء العجم بكتاب دقيق الخط ثمن البغدادي، معتزلي التقطيع، فلما نظر فيه صار يقلبه ويضعه على رأسه، فسألته عن ذلك فقال هذا خط شيخنا الإمام فخر الدين الخطيب رحمه اللّه، فعظم عندي قدره لتعظيمه شيخه، ولما توفي شمس الدين الخسروشاهي رحمه اللّه، قال الشيخ عز الدين محمد بن حسن الغنوي الضرير الآربلي يرثيه:
بموتك شمس الدين مات الفضائل ** وأردى ببدر الفضل والبدر كاملفتى علم بالحق بالخير عامل ** وما كل ذي علم من الناس عاملفتى بذ كل القائلين بصمته ** فكيف إذا وافيته وهو قائلوكنا لحل المشكلات نعده ** إذا أعيت الحذّاق منا المسائلفرب الحجا من بعده اليوم قد خلا ** وحيد المعالي من حلى الفضل عاطلأتدري المنايا من رمت بسهامها ** وأي فتى أودى وغال الغوائلرمت أوحد الدنيا وبحر علومها ** ومن قصرت في الفضل عنه الأوائلولو كان بالفضل الفتى يدفع الردى ** لما غيبت عبد الحميد الجنادلولكن دفع الموت ما فيه حيلة ** ولا في بقاء المرء يطمع آملفبعدك شمس الدين أعوز عالم ** وأبدى الدعاوى في المحافل جاهلوقال الصاحب نجم الدين اللبودي يرثيه:
أيا ناعيًا عبد الحميد تصبرًا ** عليَّ فإن العلم أدرج في كفنمضى مفردًا في فضله وعلومه ** وعدت فريد الهم والوجد والحزنفيا عين سحي بالدموع لفقده ** فما حسن صبري بعده اليوم بالحسنتلقته أصناف الملائك بهجة ** بمقدمه الأسنى على ذلك السننتقول له أهلًا وسهلًا ومرحبًا ** بخير فتى وافى إلى ذلك الوطنإلى معشر أضحى الوجود ذواتهم ** فليس لهم إلف يعوق ولا سكنوحسبك من ذات هي العين حقة ** فليس بها إفك ولا عندها إحنتبيت ترى ذات الذوات بمرصد ** تعالى عن الأكوان والكون والزمنلك اللّه شمس الدين كم شدت معلمًا ** من الحق أسنى ذا لسان له لسنمصابك شمس الدين تسلية لنا ** ومثلي من أضحى بمثلك يمتحنولشمس الدين الخسروشاهي من الكتب مختصر كتاب المهذب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي لأبي إسحق الشيرازي، مختصر كتاب الشفاء للرئيس بن سينا، تتمة كتاب الآيات البينات لابن خطيب الري، وكان وصل فيها في الشكل الثاني، وهذه الآيات البينات غير النسخة الصغيرة المعروفة التي هي عشرة أبواب.
.سيف الدين الآمدي:
هو الإمام الصدر العالم الكامل سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي، أوحد الفضلاء، وسيد العلماء، كان أذكى أهل زمانه، وأكثرهم معرفة بالعلوم الحكمية، والمذاهب الشرعية، والمبادئ الطبية، بهي الصورة، فصيح الكلام، جيد التصنيف، وكان قد خدم الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالي محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة، وأقام بخدمته بحماة سنين، وله منه الجامكية السنية، والإنعام الكثير، وكان من أكابر الخواص عنده ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المنصور وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة، فتوجه إلى دمشق، ولما دخلها أنعم عليه الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إنعامًا وأكرمه غاية الإكرام، وولاه التدريس، وكان إذا نزل وجلس في المدرسة وألقى الدرس والفقهاء عنده يتعجب الناس من حسن كلامه في المناظرة والبحث، ولم يكن أحد يماثله في سائر العلوم، وكان نادرًا أن يقرئ أحدًا شيئًا من العلوم الحكمية، وكنت اجتمعت به واشتغلت عليه في كتاب رموز الكنوز من تصنيفه، وذلك لمودة أكيدة كانت بينه وبين أبي، وأول اجتماعي به دخلت أنا وأبي إليه إلى داره، وكان ساكنًا بدمشق في قاعة عند المدرسة العادلية، فلما جلسنا عنده بعد السلام وتفضل بحسن التودد والكلام نظر وقال بهذا اللفظ ما رأيت ولدًا أشبه بوالد منكما.وأنشدني الصاحب فخر القضاة بن بصاقة لنفسه وقد تشفع به العماد بن السلماسي إلى سيف الدين الآمدي بأن يشتغل عليه:
يا سيدًا جمل اللَّه الزمان به ** وأهله من جميع العجم والعربالعبد يذكر مولاه بما سبقت ** وعوده لعماد الدين عن كثبومثل مولاي من جاءت مواهبه ** عن غير وعد وجدواه بلا طلبفأصف من بحرك الفياض مورده ** وأغنه من كنوز العلم لا الذهبواجعل له نسبًا يدلي إليك به ** فلحمة العلم تعلو لحمة النسبولا تكله إلى الكتب تنبئه ** فالسيف أصدق أنباء من الكتبأقول وقد جاء في هذا البيت أحسن ما يكون من تضمين قول أبي تمام لاشتراك لفظه السيف، ولم يزل سيف الدين مقيمًا بدمشق إلى أن توفي رحمه اللَّه، وكانت وفاته في رابع شهر صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة.ومن شعر سيف الدين الآمدي، أنشدني ولده جمال الدين محمد مما أنشده والده سيف الدين لنفسه:
فلا فضيلة إلا من فضائله ** ولا غريبة إلا هو منشأهاحاز الفخار بفضل العلم وارتفعت ** به الممالك لما أن تولاهافهو الوسيلة في الدنيا لطالبها ** وهو الطريق إلى الزلفى بأخراهاولسيف الدين الآمدي من الكتب كتاب دقائق الحقائق، كتاب رمز الكنوز، كتاب لباب الألباب، كتاب أبكار الأفكار في الأصول، كتاب غاية المرام في علم الكلام، كتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات، ألفه للملك المنصور صاحب حماة بن تقي الدين، كتاب غاية الأمل في علم الجدل، شرح كتاب شهاب الدين المعروف بالشريف المراغي في الجدل، كتاب منتهى السالك في رتب المسالك، كتاب المبين في معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين، دليل متحد الائتلاف وجاد في جميع مسائل الخلاف، كتاب الترجيحات في الخلاف، كتاب المؤاخذات في الخلاف، كتاب التعليقة الصغيرة، كتاب التعليقة الكبيرة، عقيدة تسمى خلاصة الأبريز، تذكرة الملك العزيز بن صلاح الدين كتاب منتهى السول في علم الأصول، كتاب منائح القرائح.